وفي كسروان، باتت القوات ـــــ خلال عام واحد من العمل الحزبي الجدي ـــــ القوة الانتخابية الثانية بعد التيار الوطني الحر: لم يعد يمكن النائب السابق منصور البون نصح جعجع بالعودة إلى بشري؛ لأن لكسروان عائلاتها؛ باتت القوات واحدة من أكبر العائلات. هنا كان الأمين العام للكتلة الوطنية كارلوس إدة المرشح المعجزة في الانتخابات السابقة، لكن إدة اختفى من الحياة السياسية والإعلامية عدة أشهر، باستثناء إطلالاته في «دمى قراطية». بعد التهام التيار الوطني الحر أكثر من ثلاثة أرباع الكتلويين، تركز القوات جهدها في جبيل وكسروان على التهام ربع الربع الكتلاوي الباقي بإمرة إدة.
في كسروان أيضاً، تتغلغل القوات بين أنصار الوزير السابق فارس بويز والنائبين السابقين فريد الخازن وكميل زيادة لتجدد حضورها فوق أنقاض هؤلاء. ويشير أحد المطّلعين إلى بدء القوات منذ نحو سنتين باسترداد أمانتها من نواب كسروان السابقين. فبعد دخول جعجع السجن، التحق كثير من أنصاره، ولا سيما أولئك المستفيدون من الكازينو ومرفأ جونية والمرافق السياحية بزعماء الأحياء الكسروانية. لكن بعد سقوط هؤلاء في الانتخابات وعودة القوات إلى السلطة، قصد غالبيتهم معراب حاملين أوشمة الحروب السابقة لتذكير «الحكيم» بتضحياتهم، مبدين حماسة لإعادة الانتساب إلى حزبهم الأول. وهكذا يكاد ينحصر الكلام الانتخابي الجدي اليوم في كسروان بقوتين أساسيتين على صعيد 14 آذار: البون في الفتوح والقوات في سائر المناطق.
ومن كسروان إلى جارتها جبيل. لا ينافس القوات على الموقع المسيحي الثاني بعد التيار الوطني الحر إلا رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان. ففيما يشن «الأمين العام» لقوى 14 آذار فارس سعيد الهجوم تلو الآخر على مطران جبيل السابق البطريرك بشارة الراعي، مضيعاً وقته في شرب القهوة والتعليق على ما تشيعه قناة «العربية» عن زيارات مسؤولين إيرانيين للبنان، تؤطر القوات وجودها التنظيمي في جبيل، من دون أن تقطع مع البطريرك. ومن الجبل إلى جزين، عملت القوات في الانتخابات البلدية الأخيرة وفق خطة أساسها احتضان كل من يختلفون في الموضوع الانتخابي مع التيار الوطني الحر. وبذلك، تحولت بيئة النائب السابق سمير عازار ذي الحيثية الجزينية التقليدية المناوئة لما كان يعرف باليمين المسيحي، إلى بيئة حاضنة للقوات اللبنانية التي تبذل جهداً استثنائياً لتلبية أنصار النائب السابق إدمون رزق في جميع الخدمات التي يحتاجون إليها. أما في بيروت، ففاجأت القوات حلفاءها قبل الخصوم بتركيز جهدها على بناء حيثية أرمنية، بعد اكتشافها أن البنية التنظيمية للأحزاب الأرمنية المناوئة للطاشناق أكثر هشاشة بكثير من بنيتي الكتائب والنائب ميشال فرعون. وهكذا باتت القوات تمثل القوة الأرمنية الثانية بعد الطاشناق في بيروت، في ظل التراجع الكبير لنفوذي الهانشاك والرامغافار في العاصمة. أما شمالاً، فيصارع هادي حبيش للحفاظ على بعض حيثيته في بلدته القبيات العكارية، فيما يصرف نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري من جيبه (لأول مرة في حياته السياسية) ليبقي أصابع قدميه على البساط الشعبي الكوراني الذي تكاد القوات أن تسحبه من تحته. بدوره، يرفض النائب السابق جواد بولس في اتصال مع «الأخبار» اتهام القوات بابتلاع مستقلي 14 آذار. برأيه، إن «البلد كله جامد، نحن وغيرنا، تحت عنوان الحفاظ على الاستقرار».
الأكيد ختاماً أن أكل القوات أخضر قوى 14 آذار ويابسها يخسر قوى 14 آذار التي تفقد وجهها المدني لمصلحة الوجه الحزبيّ، لكنه في المقابل يربح القوات ويوفر لها حيثية لا يمكن أن تستوردها من الصين. الأمر نفسه فعله التيار الوطني الحر قبل خمس سنوات مع حلفائه المسيحيين، فامتصّ دم بعضهم واستغنى عن خدماتهم، وأبقى البعض الآخر ريثما يتأكد من استقطاب التيار جميع أنصارهم.